فصل: (سورة الزمر: الآيات 7- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإعراب:

{لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ} لو حرف شرط غير جازم وأراد فعل ماض واللّه فاعل وأن وما في حيزها مفعول أراد واللام رابطة لجواب لو واصطفى فعل ماض وفاعله هو أي اللّه تعالى والجملة لا محل لها ومما متعلق باصطفى وجملة يخلق صلة ما وما مفعول به وجملة يشاء صلة ما والعائد محذوف أي يشاؤه {سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ} سبحانه مفعول مطلق لفعل محذوف تنزيه له تعالى عن أن يكون له أحد ما نسبوا إليه، وهو مبتدأ واللّه خبره والواحد القهار نعتان اللّه.
{خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} خلق فعل ماض وفاعله مستتر يعود على اللّه تعالى والسموات مفعول به والأرض عطف على السموات وبالحق حال.
{يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ} الجملة حالية أو مستأنفة مبينة لكيفية تصرفه في السموات والأرض، والليل مفعول به وعلى النهار متعلقان بيكور ويكور النهار على الليل عطف على مثيلتها.
{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} وسخر الشمس والقمر عطف على خلق السموات والأرض وكل مبتدأ وجملة يجري خبر ولأجل متعلقان بيجري ومسمى نعت لأجل وألا أداة تنبيه تصدرت الجملة لإظهار مدى الاهتمام بها، والاعتناء بفحواها وهو مبتدأ والعزيز الغفار خبران لهو.
{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها} خلقكم فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به ومن نفس جار ومجرور متعلقان بخلقكم وواحدة نعت لنفس والمراد بها آدم ثم حرف للترتيب والتراخي وسيأتي سر العطف بها في باب البلاغة وجعل فعل ماض وفاعله مستتر يعود على اللّه تعالى ومنها متعلقان بجعل لأنه بمعنى خلق وزوجها مفعول به.
{وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ} وأنزل عطف على خلقكم ولكم متعلقان بمحذوف حال ومن الأنعام متعلقان بأنزل وثمانية أزواج مفعول به وقد تقدم معنى الزوجين في سورة الأنعام.
{يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ} الجملة حالية أو استئنافية مبينة لكيفية خلق ما ذكر، ويخلقكم فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به وفي بطون أمهاتكم متعلقان بيخلقكم وخلقا مفعول مطلق ومن بعد خلق صفة له ويجوز أن يتعلق بيخلقكم فيكون المصدر لمجرد التأكيد، قال البيضاوي: أي حيوانا سويا من بعد عظام مكسوة لحما من بعد عظام عارية من بعد مضغ من بعد علق من بعد نطف، وفي ظلمات متعلقان بخلق المجرور الذي قبله ولا يجوز تعلقه بخلقا المنصوب لأنه مصدر مؤكد فلا يعمل ولا بيخلق لأنه تعلق به جار مثله ولا يتعلق حرفان متحدان لفظا ومعنى إلا بالبدلية والعطف فإن جعلت في ظلمات بدلا من في بطون أمهاتكم بدل اشتمال لأن البطون مشتملة عليها ويكون بدلا بإعادة العامل جاز ذلك وسيأتي المراد بالظلمات الثلاث في باب الفوائد.
{ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} ذلكم مبتدأ واللّه خبره الأول وربكم خبره الثاني وله خبر مقدم والملك مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية خبر ثالث وجملة لا إله إلا هو خبر رابع وقد تقدم إعراب كلمة الشهادة مفصلا، فأنى الفاء استئنافية وأنى اسم استفهام متعلق بمحذوف حال وتصرفون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل.

.البلاغة:

في قوله {ثم جعل منها زوجها} عطف ثم التي تفيد الترتيب مع التراخي في الوجود، وظاهر الأمر يتنافى مع ذلك لأن خلق حواء من آدم سابق على خلقنا منه، وقد استشكل علماء البيان والمفسرون هذا العطف وأجابوا بأجوبة نوردها ثم ترجح ما هو أقرب إلى الرجحان قال الزمخشري: فإن قلت ما وجه قوله ثم جعل منها زوجها وما يعطيه من معنى التراخي؟ قلت: هما آيتان من جملة الآيات التي عددها دالّا على وحدانيته وقدرته وتشعيب هذا الخلق الفائت للحصر من نفس آدم وخلق حواء من قصرياه والقصريان ضلعان يليان الترقوتين إلا أن إحداهما جعلها اللّه عادة مستمرة والأخرى لم تجر بها عادة ولم تخلق أنثى غير حواء من قصيري رجل فكانت أدخل في كونها آية وأجلب لعجب السامع فعطفها بثم على الآية الأولى للدلالة على مباينتها لها فضلا ومزية وتراخيها عنها فيما يرجع إلى زيادة كونها آية فهو من التراخي في الحال والمنزلة لا من التراخي في الوجود.
وقال غيره: المعطوف متعلق بمعنى واحدة فثم عاطفة عليه لا على خلقكم فمعناه خلقكم من نفس واحدة أفردت بالإيجاد ثم شفعت بزوج فكانت هاهنا على بابها لتراخي الوجود.
ونرى أن كلا الوجهين مستقيم ويصح حمل العطف عليه.
وهنا وقع ابن هشام في خطأ التلاوة فأورد هذه الآية بلفظ {هو الذي خلقكم من نفس واحدة} إلخ.. وقد أوردها شاهدا على أن قوما خالفوا في معناها وهو الترتيب تمسكا بها قال: والجواب عن الآية من خمسة أوجه:
أحدها: أن العطف على محذوف أي من نفس واحدة أنشأها ثم جعل منها زوجها.
الثاني: أن العطف على واحدة على تأويلها بالفعل أي من نفس توحدت أي انفردت ثم جعل منها زوجها.
الثالث: أن الذرية أخرجت من ظهر آدم عليه الصلاة والسلام كالذر ثم خلقت حواء من قصيراه.
الرابع: أن خلق حواء من آدم لما لم تجر عادة بمثله جيء بثم إيذانا بترتبه وتراخيه في الإعجاب وظهور القدرة لا لترتيب الزمن وتراخيه.
الخامس: أن ثم لترتيب الأخبار لا لترتيب الحكم وانه يقال بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب أي ثم أخبرك أن الذي صنعته أمس أعجب.

.الفوائد:

أراد بقوله {في ظلمات ثلاث} ظلمة البطن، وظلمة الرحم بفتح الراء وكسر الحاء، والرحم بكسر الراء وسكون الحاء مؤنثة وهي مستودع الجنين في أحشاء الحبلى، وظلمة المشيمة وهي كما في المصباح وزان كريمة وأصلها مفعلة بسكون الفاء وكسر العين لكن ثقلت الكسرة على الياء فنقلت إلى الشين وهي غشاء ولد الإنسان.
وقال ابن الأعرابي: يقال لما يكون فيه الولد المشيمة والكيس والغلاف والجمع مشيم بحذف الهاء ومشايم مثل معيشة ومعايش ويقال لها من غيره السلى.

.[سورة الزمر: الآيات 7- 8]:

{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (8)}.

.الإعراب:

{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} إن حرف شرط جازم وتكفروا فعل الشرط وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل والفاء رابطة وإن واسمها وخبرها والجملة جواب الشرط وعنكم متعلقان بغني {وإن تشكروا} عطف على {إن تكفروا} و{يرضه} جواب الشرط وعلامة جزمه حذف حرف العلة والفاعل مستتر تقديره هو يعود على اللّه تعالى والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به بضم وسكونها وبإشباع ودونه.
{وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} الواو حرف عطف ولا نافية وتزر فعل مضارع مرفوع ووازرة فاعل ووزر مفعول به أي لا تحمل نفس وزر نفس أخرى وأخرى مضاف اليه على حذف منعوت أي نفس أخرى ثم حرف عطف للتراخي والى ربكم خبر مقدم ومرجعكم مبتدأ مؤخر والفاء حرف عطف وينبئكم فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به وبما متعلقان بينبئكم وكنتم كان واسمها وجملة تعملون خبرها وجملة كنتم تعملون صلة الموصول {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} إن واسمها وخبرها وبذات الصدور متعلقان بعليم والجملة تعليل للتنبئة بالأعمال.
{وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ} الواو استئنافية وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط ومسّ فعل ماض مبني على الفتح والإنسان مفعول به مقدم وضر مبتدأ مؤخر والمراد بالضر جميع المكاره وجملة دعا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وربه مفعول به ومنيبا حال واليه متعلقان بمنيبا.
{ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ} ثم حرف عطف للتراخي وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة خوله في محل جر بإضافة الظرف إليها وخوله فعل ماض وفاعل مستتر يعود على اللّه تعالى والهاء مفعوله الأول ونعمة مفعوله الثاني ومنه صفة لنعمة ولك أن تعلقه بخوّله وجملة نسي لا محل لها والفاعل مستتر تقديره هو يعود على الإنسان وما مفعول به وجملة كان صلة ما واسم كان مستتر يعود على الإنسان وجملة يدعو خبر كان وإليه متعلقان بيدعو ومن قبل متعلقان بمحذوف حال ويجوز في ما أن تكون مصدرية أي نسي كونه داعيا.
{وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} وجعل عطف على نسي وفاعله مستتر يعود على الإنسان وللّه متعلقان بمحذوف هو مفعول جعل الثاني وأندادا مفعول جعل الأول وليضل اللام للتعليل ويضل فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وقيل اللام للعاقبة وهي تتمشى مع قراءة يضل بفتح اللام وهما قراءتان سبعيتان وعن سبيله متعلقان بيضل.
{قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ} قل فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وتمتع فعل أمر أيضا وفاعل مستتر والجملة مقول القول والمقصود بالأمر التهديد وبكفرك متعلقان بتمتع وقليلا ظرف زمان أو مفعول مطلق صفة لمصدر محذوف وجملة إنك من أصحاب النار تعليل للأمر بالتمتع وإن واسمها ومن أصحاب النار خبرها.

.[سورة الزمر: الآيات 9- 10]:

{أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجدًّا وَقائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9) قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (10)}.

.اللغة:

{قانِتٌ} قائم بوجائب الطاعات ووظائفها ومنه قوله صلى اللّه عليه وسلم: «أفضل الصلاة طول القنوت» وهو القيام فيها ومنه القنوت في الوتر لأنه دعاء المصلي قائما وفي القاموس: القنوت: الطاعة والسكوت والدعاء والقيام في الصلاة والإمساك عن الكلام وأقنت دعا على عدوه وأطال القيام في صلاته وأدام الحج وأطال الغزو وتواضع للّه تعالى وامرأة قنيت بينة القناتة قليلة الطعم وسقاء قنيت مسيّك وقول القاموس مسيك بكسر الميم وسكون السين أي يمسك الماء.
{آناءَ} جمع إنى بكسر الهمزة والقصر كمعى بكسر الميم والقصر والجمع أمعاء وفي المصباح: الآناء على أفعال هي الأوقات وفي واحدها لغتان: إني بكسر الهمزة والقصر وإني بوزن حمل وفي المختار: و{آناء الليل} ساعاته قال الأخفش واحدها إنى مثل معى وقيل واحدها إني وإنو يقال مضى من الليل أنيان وأنوان.

.الإعراب:

{أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجدًّا وَقائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} أم يجوز أن تكون متصلة ومعادلها محذوف تقديره الكافر خير أم الذي هو قانت وقد دخلت على من الموصولة فأدغمت الميم في الميم، أو منقطعة فتقدر ببل والهمزة أي بل أمن هو قانت كغيره؟ وقرئ بالتخفيف فالهمزة للاستفهام الانكاري، وعلى كل فمن اسم موصول مبتدأ خبره محذوف كما تقدم وهو مبتدأ وقانت خبره والجملة صلة من وآناء الليل ظرف متعلق بقانت وساجدا حال وقائما عطف عليه وجملة يحذر الآخرة حال ثالثة وجملة يرجو رحمة ربه عطف على جملة يحذر الآخرة.
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} هل حرف استفهام معناه الإنكار ويستوي الذين فعل مضارع وفاعل وجملة يعلمون صلة والذين لا يعلمون عطف على الذين يعلمون، وفي هذه الآية تنزيل المتعدي منزلة القاصر ولا يقدر المفعول في قوله يعلمون لأن المقدر كالموجود أي هل يستوي من ثبتت له حقيقة العلم ومن لم تثبت له والاستفهام إنكاري أي لا يستويان لأن المقصود بيان ثبوت الفعل للفاعل لا بيان وقوعه على المفعول وإيضاح الفرق بين المنزل وغيره أن قولك فلان يعطى لبيان كونه معطيا فيكون كلاما مع من جهل أصل الإعطاء وقولك فلان يعطي الدنانير لبيان جنس ما يتناوله الإعطاء لا لبيان كونه معطيا ويكون كلاما مع من ثبت له أصل الإعطاء لا مع من جهل إعطاء.
{إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ} إنما كافة ومكفوفة ويتذكر فعل مضارع مرفوع وأولو الألباب فاعل والجملة مستأنفة مسوقة لبيان عدم تأثير ما تقدم من قوارع وزواجر في قلوبهم لاختلال عقولهم.
{قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ} يا حرف نداء وعبادي منادى مضاف والذين صفة لعبادي وجملة آمنوا صلة الذين والجملة مقول القول واتقوا ربكم فعل أمر وفاعل ومفعول به.
{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ} للذين خبر مقدم وجملة أحسنوا صلة وفي هذه متعلقان بأحسنوا والدنيا بدل من اسم الاشارة وحسنة مبتدأ مؤخر وأرض اللّه مبتدأ وواسعة خبر.
{إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ} الجملة تعليل لما تقدم ترغيبا في الصبر وإنما كافة ومكفوفة والصابرون نائب فاعل وأجرهم مفعول به ثان وبغير حساب حال من الأجر.
ولو لم يكن في الصبر إلا ما جاء في هذه الآية لكان في ذلك كفاية وفي الحديث: انتظار الفرج بالصبر عبادة وقيل لعلي بن أبي طالب: أي شيء أقرب إلى الكفر؟ قال ذو فاقة لا صبر له، ومن كلامهم: الصبر مرّ لا يتجرعه إلا حر وكان عبد اللّه بن المقفع يقول: إذا نزل بك أمر مهم فانظر فإن كان لك فيه حيلة فلا تعجز، وإن كان مما لا حيلة فيه فلا تجزع وما أحسن قوله: تعجز وتجزع وهذا الذي يسمى قلب البعض وهو معدود عند أرباب البديع من الجناس.

.[سورة الزمر: الآيات 11- 18]:

{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18)}.